رواية "تشريح الرغبة" رواية تلقي ضوءاً على خلفيات انهيار مؤسسة الزواج والصراعات الخفية Anatomie der Lust
استطاعت الكاتبة عبر استخدامها. تقنيات التذكر والاسترجاع في رسائل الشخوص؛ توسيع مساحات البوح ونقل وجهات النظر المختلفة، وتجسيد الوجوه المتعددة للحقيقة، في علاقة مأزومة ومركبة، يتصارع عبرها الزوج والزوجة والحبيبة على مقعد الضحية. يحاول كل طرف أن يغسل يديه من ذنب اقترفه بحق الآخر ويظن كل منهم احتكار الحقيقة. وفي هذا الصراع وقفت الكاتبة على مساحة واحدة من شخوصها. وأتاحت لكل منهم محاولة كسب التعاطف وتوجيه اللوم وتشريح العلاقة. وتركت للقارئ حرية اختيار انحيازاته، والجانب الذي يفضل الوقوف فيه. وهي محاولة ناجعة منها لإشراك القارئ في عملية السرد، ليتجاوز الدور التقليدي للمتلقي.
رصدت ريم نجمي(*) عبر بنائها علاقة ثلاثية مأزومة لا ينفك الواقع عن تكرارها. يتصدر المشهد زوجان دام زواجهما سنوات عديدة، بينما تبرز في الخلفية امرأة ثانية تلعب دور الحبيبة، التي تمثل طوق نجاة للرجل من علاقة زوجية فاشلة، في حين تكون في الوقت نفسه معولاً يهدم حياة الزوجة وأحلامها، وإن أخفت الكاتبة عن الزوجة هذا المعول حتى نهاية الأحداث.
بدأت الرحلة السردية برسالة من زوجة ألمانية خمسينية "يوليا" تقيم في بون، إلى زوجها المغربي "عادل" المقيم في برلين، كشفت خلالها تصوراتها المثالية لحياتها الزوجية،والتي لا يوجد بها ما يبرر قطيعة زوجها ورغبته في الانفصال عنها. ثم أكدت هذا التصور باستعادة لحظاتهما السعيدة عبر زواجهما، الذي دام نحو ربع قرن.
تسلل الصراع الذي احتدم بين الشخوص، إلى دواخلهم وبات أشد وطأة لينقسم كل أطراف العلاقة بين مشاعر متضاربة من الإحساس بالذنب والإحساس بالظلم، تحمل مسؤولية انهيار العلاقة وإبراء الذمة من هذا الانهيار. كانت الجرأة سمة أساسية ميزت تناول نجمي لقضية انهيار مؤسسة الزواج، بعدما دامت خمسة وعشرين عاماً، حين بلغ طرفاها عمر الخمسين، أو العمر الذي تصل فيه المرأة إلى سن اليأس، ويعاني الرجل أزمة منتصف العمر. وبدت جرأة الكاتبة منذ العتبة الأولى للنص، عبر اختيار عنوان مباشر وصادم "تشريح الرغبة". وواصلت رحلتها بالجرأة ذاتها، من خلال السماح لشخوصها بدخول المناطق الممنوعة، والكشف عن المسكوت عنه في العلاقة الحسية، التي تكون في أغلب الوقت المسؤول الأول والمستتر عن انهيار الزواج. لم تشيطن شخوصها، ولم تلبس أياً منهم رداء الملائكية والمثالية، وإنما سمحت لبشريتهم بكل نواقصها، أنانيتها، أخطائها وحتى ما يثير الإعجاب فيها؛ بالظهور، وهذا ما وافق استهلالها للنص الروائي بإشارة إلى أن شخصياتها هي الشخصيات الأصلية، والأكثر حقيقية من شخصيات الواقع، لأنها بلا تجميل ولا رتوش ولا تدليس ولا كذب.
"ما لا أفهمه حقاً وأستصغره فيك أن تنغصي علي صيامي، الذي هو أساساً عادة روحية واجتماعية ونفسية، أكثر منها ربما ممارسة دينية، ثم أجدك بعدها تمتنعين عن الأكل تماماً، وتعيشين على السوائل فقط ولأيام متتابعة تحت مسمى ’ديتوكس’ أو تنقية الجسم من السموم" ص 114.
وقد اتسمت لغة الكاتبة بالعذوبة والحساسية، ورغم شعريتها الشديدة فإنها لم تعطل السرد، وإنما عززت المنحى الذاتي للنص، الذي نهض على رسائل الشخوص، إذ استطاعت تحويل مشاعر أبطالها من صورتها الحسية إلى صورة مادية؛ جعلت للحزن ملمساً، وللحيرة لوناً، وللغضب رائحة، فباتت العين أقدر على إدراكها.
"أتأمل الآن أثر القهوة الذي لا يزال على الحائط الأبيض كلوحة فنية لم يتوفق فيها بولوك. أغمض عيني عنها وأتضاءل كنهار أشرف على الرحيل، لا شيء يضاهي عزلتي في هذا المطبخ سوى تفاحة وحيدة في الإناء" ص47.
ورغم جرأة التناول، واختراق أرض ملغومة بقضية تعد من أهم التابوهات في الثقافة العربية، فإن الكاتبة انتهجت سرداً رصيناً بعيداً عن الابتذال. (نشوة احمد)
(*) ريم نجمي شاعرة وكاتبة ومترجمة وإعلامية مغربية من مواليد الدار البيضاء 1987 تقيم في برلين وتعمل في مؤسسة "دويتشه فيله" الألمانية كمحررة وكمنتجة للبرامج الحوارية.
Rim Najmi ist Schriftstellerin, Lyrikerin, Übersetzerin und Journalistin. Sie wurde 1987 in Casablanca, Marokko geboren. Sie studierte Medienwissenschaften in Rabat, wo sie ihren Bachelor 2008 absolvierte.Das Studium führte sie 2009 nach Deutschland, wo sie ein Master in Medienwissenschaften an der Universität Bonn 2014 absolvierte. 2012 schloss sie ein Volontariat bei der Deutschen Welle Akademie ab.Seit 2012 lebt sie in Berlin. Sie arbeitet als freie Journalistin bei der Deutschen Welle.VeröffentlichungenRoman (im Druck):تشريح الرغبة (Anatomie der Lust), Liebesroman, Egyptian-Lebanese Publishing House, Kairo 2021.
:ÜbersetzungenNickolaus Ober, Nina Ober: Tiger lernt fliegen. Kinderbuch, Tanmia Publishing and Distribution, Kairo 2021Bertolt Brecht: Furcht und Elend des dritten Reiches. Theaterstück, Arab Theatre
Institute,Schardscha 2019 (zusammen mit Samir Grees)
تعليقات
إرسال تعليق